مركز التوثيق الملكي يعرض المنشور الهاشمي الرابع للثورة العربية الكبرى

المنشور الرابع

عرض مركزُ التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، وبمناسبة الذكرى السابعة بعد المئة لقيام الثورة العربية الكبرى، المنشورَ الهاشمي الرابع للشريف الحسين بن علي الصادر بتاريخ الرابع من آذار 1917، الذي أتى فيه على ذكر المُخالفات التي ارتكبها الاتحاديون ودعا إلى الثورة ضدهم انتصارًا للإسلام، كما تضمن المنشور، الذي جرى نشره في افتتاحيَّة العدد الثامن والخمسين من جريدة القبلة الصادرة يوم الإثنين بتاريخ الرابع من آذار عام 1917، قولَهُ ( فإننا لا نرتاب -والثناء للباري جلَّ شأنُه- بأنَّ منشوراتنا السابقة قد أتت بِمَنِّة الله و تيسيره بالغاية المقصودة من نشرها، فعلم من أردنا إعلامه من البشر عمومًا ومن المسلمين خصوصًا أسبابَ نهضتنا وَمُسَوِّغاتها العقليَّة والنقليَّة).

وافتتح المنشور بالآية الكريمة (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئًا).

واختتم الشريفُ الحسين المنشورَ باستنهاض هِمَمِ المسلمين والدعوة إلى الجهاد ضد الطورانيين؛ حيث جاء في المنشور ( وعليه، فإننا نعلن لمن بقي من مسلمي الممالك التركيَّة، خصوصًا جيشها وقواده، بأنهم إذا لم ينهضوا لإسقاط جكومة هؤلاء الأغرار الطورانيين ويعلنوا براءتهم منهم فإنا نقطع آخرَ أمل لنا بعودة رونق الإسلام لتلك المملكة ورابطته بأهلها).

يذكر أنَّ الثورة العربية الكبرى انطلقت على يد الشريف الحسين بن علي عام 1916، وتمثلت رسالتها في وحدة العرب وحرِّيَّتهم واستقلالهم.

وفي ما يأتي نص المنشور:

وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا). الحمد لله وليِّ الحق ونصيره ومبيد الباطل ومبيره منزل السكينة على قلوب عباده المتَّقين والآخذ بنواصي أعدائه المارقين وصلّى الله على سيِّدنا محمد مطالع شموس الهداية ومزيل حنادس الغواية وعلى آله وأصحابه وسلم. أما بعد فإننا لا نرتاب ــ والثناء للباري جل شأنه ــ بأنَّ منشوراتنا السابقة قد أتت بِمَنِّهِ تعالى وتيسيره بالغاية المقصودة من نشرها، فعلم من أردنا إعلامه من البشر عموما والمسلمين خصوصا أسبابَ نهضتنا وَمُسَوِّغاتها العقليَّة والنقليَّة، ومع هذا فَتَيَمُّنًا بمشيئته تعالى واتباعًا لحكمه ما أراد بقوله عز من قائل (ليزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون) إلى قوله تعالى (كذلك يضلُّ الله من يشاء ويهدي من يشاء) وقوله جلَّ اسمُه (كلا والقمر، والليل إذ أدبر، والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر)، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى ليزداد الذين آمنوا إيمانًا بما قلناه ويتيقَّنوا ما نشرناه نورد لهم نبأ جناية أغرار المتغلبة الثورانيَّة في هذه المرَّة على الأموات والأحياء من أفراد العالم الإسلامي، وهو مما تكنُّه صدورُهم للشريعة الإسلامية المطهَّرة كما قلنا في السطر الخامس والعشرين من منشورنا الأول ألا وهو نهبهم كلَّ ما تحتويه حجرة نبيهم عليه الصلاة والسلام من هداياهم وتبركاتهم التي أرادوا بها تكريم ساحاته الطاهرة زادها الله تعظيمًا وتكريما، فإنَّ هذه الحادثة ليست إحدى الكِبَر بل هي كلُّ الكِبَر. أجل، كيف لا نقول إنها كلُّ الكِبَر وأعظمها وقد أمرنا الله تبارك وتعالى باحترام ذلك المقام الأقدس بما هو أقل من ذلك بقوله جل من قائل (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، وقوله عز وجل (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى)، فأين هذه المرتبة من الاحترام التي أمرنا الله بها تبارك وتعالى لمقام النبوَّة إلا رفع مما فعله متغلبة التورانيين من سلب تلك الساحات الطاهرة. إننا نترك الحكم في هذا إلى العالم الإسلامي كما تركنا لهم أمثال هذه الأحكام الصريحة في منشوراتنا السابقة. غير أننا نزيد هنا بقوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذابا مهينا). ومع إيرادنا هذه الآية الكريمة نقول إنه صلوات الله عليه وسلامه في غِنًى عن هذه الدنيا وما فيها، ولكننا نلفت أنظار العالم الإسلامي إلى التأمُّل في نهيه عز وجل عن رفع الصوت في تلك الحضرة الشريفة وثنائه على الذين يغضون أصواتهم هناك لينكشف لهم الأمرُ عما في هذه الجناية الجديدة من الاستخفاف الصريح المعلوم حكمه في كتب مذاهب أئمة الدين عامة.

وإذا كان أحد من المسلمين في ريب من هذا النبأ العظيم فعليه أن يبعث من يأتمنه ليستعلم عن هذه الحقيقة من مئات الملتجئين إلى (ينبع) و(رابغ) من جيرانه صلوات الله عليه وآله وسلامه، أما نحن فلا نستغرب هذا الحادث العظيم من تلك الفئة بعد وصفها لسيرته صلوات الله عليه وسلامه بأنها شر السِّيَر (والعياذ بالله تعالى) كما أشرنا إلى ذلك في منشورنا الأول، ولكننا نسوق الحدث على إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ليروا رأيَهُم في هذه الفضيحة التي غشيهم ذلُّها وعارُها من فوقهم ومن تحتهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم، وإلا فنحن على أقصى درجات اليقين بأن الله تعالى عندما اقتضت حكمته خزيهم والانتقام منهم خَصَّنا وَشَرَّفَنا بإجرائه على أيدينا، فهذه أسيافنا تقطرُ من دمائهم وبيوتنا غاصَّةٌ بأسراهم. 

فآبوا بالنهاب والسبايا    وإبنا بالملوك مصفَّدينا

فمن تأمَّلَ في وقاحة الفئة التورانية المغرورة يوم خلعهم للسلطان عبد الحميد من نهب داره وحلى أزواجه وبناته حتى أخرجوا من الخرصان من آذانهن بالصورة التي يعلمها كلُّ فرد من ساكني الأستانة وسلبهم كلَّ ما في تلك الدار التي لا بد لهم أن يعترفوا بأنها حسب دعواهم دار خليفة ويفترض على المسلمين احترام دور خلفائهم، وفيما آتوه أيضًا من ذاك من الجرأة على ما يمس بالأحكام الإسلاميَّة كما سبق بيانه في منشوراتنا مختصرًا يرى أنهم كانوا يسبرون غورَ الحِسِّ الإسلامي من أن يفجعوه بما هو أعظم من هذا، وليس وراء ذلك من الشر ما هو أدهى وأمر (أعاذنا الله تعالى من ذلك).

وعليه، فإننا نعلن لمن بقي من مسلمي الممالك التركيَّة، خصوصًا جيشها وقواده، بأنهم إذا لم ينهضوا لإسقاط حكومة هؤلاء الأغرار التورانيين ويعلنوا براءتهم منهم فإنا نقطع آخرَ أمل لنا بعودة رونق الإسلام لتلك المملكة ورابطته بأهلها، وتكون فاتحة براءتنا منها على اسم سلطانها من خطب الجمعة التي أبقينا اسمه فيها حتى الآن حرمة لآثار أسلافه وأملًا بقيام من ينقذ بلادَهُ من أفراد الفئة التورانيَّة المتغابة عليها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

مكَّة المكرَّمة في 10 جمادى الأولى سنة 1335     
الحسين بن علي

 

شارك الخبر